ينبغي أن نعرف خطر التأويل، فإنه أخطر من قضية الأسماء والصفات، وإن كانت الأسماء والصفات تتعلق بالله عَزَّ وَجَلَّ وتوحيده، وهي ركن عظيم من ديننا، لكن القول بالتأويل، نقض للدين كله أصوله وفروعه.
فالروافض والباطنية قيامهم وتعلقهم وتطاولهم إنما هو بسبب انتشار التأويل بين الْمُسْلِمِينَ،
تقول الرافضة: إن الله أمرهم أن يذبحوا عَائِِِشَةَ بنت أبي بكر، ولكنهم عصوه وأمّروها عليهم، وأركبوها جملاً، وذهبوا بها لتحارب أمير المؤمنين على بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في معركة الجمل.
والدليل عَلَى ذلك ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً)) [البقرة:67] فهل يُعقل أن الله تَعَالَى وهو العظيم الجليل يأمر في القُرْآن بذبح بقرة من التي تمشي في الأرض؟ لا. وإنما المسألة أعظم من ذلك.
قال أهل السنة: هذه ليست في أم المؤمنين، وإنما هي في اليهود من بني إسرائيل، لأن موسى قال لقومه: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة.

وقالت الباطنية للمسلمين: لماذا تصلون وتصومون وتحجون؟
قالوا: هذا ديننا، وهي من أركان الإسلام.
فقالوا: هذه نؤولها عن ظاهرها، فالصلوات الخمس: عَلِيّ وفاطمة والحسن والحسين والإمام المنتظر، وتأويلنا هذا ليس بناءً عَلَى قرينة عقلية، بل بناءً عَلَى خبر يقين.

وَقَالُوا: الإمام الغائب الذي في السرداب، وهو الإمام المعصوم هو المصدر العلمي اليقيني عندنا، وينقله إلينا الباب، فالباب ينقل كلام الإمام الغائب الذي في السرداب إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فنحن نتكلم بيقين، لأن هذا الإمام المعصوم ينقل لنا الكلام عن طريق الباب، والباب يعطي الحجاب، والحجاب أو نواب الأمير ينقلون إلينا هذه المعاني، فعرفنا أن الصلوات الخمس هي هذه الأسماء الخمسة.
والصوم هو: أن يحفظ أسرار الطائفة، والحج: أن تقصد الأئمة وتتلقى عنهم وحدهم، فما هناك طواف بالكعبة، ولا هناك حجر.
وكذلك الفلاسفة أولّوا كما أولّ الرافضة والباطنية، فقالت الفلاسفة: إن البعث لا حقيقة له.
فقيل لهم: إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أخبر بالبعث في كتابه، والأحاديث الصحيحة ذكرت البعث ووضحته، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحشر النَّاس يَوْمَ القِيَامَةِ حفاة عراة غرلا، وتدنوا منهم الشمس فيكلمهم ليس بينهم وبينه ترجمان.
فقالوا: هذا البعث حشرٌ روحاني للأرواح فقط، ولا تعاد إِلَى البدن، لأن العقل يدل عَلَى أن هذا محال، وأن هذه الجثة بعد أن دخلت الأرض وصارت هباءً لا تعود حية.

ونعيم الجنة نعيم روحاني فقط، وهذا الكلام يكفرهم به المؤولة وغير المؤولة، فالْمُسْلِمُونَ جميعاً يكفرون من يقول بهذا الكلام حتى المؤولة يكفرونهم.
لكن يرد الفلاسفة عَلَى المؤولة فيقلون: أنتم أوّلتم اليد والاستواء ونحن نؤول البعث أيضاً.
قال المؤولة نحن أولّنا بقرينة.
قال الفلاسفة: ونحن عندنا قرائن عقلية مثل ما عندكم قرينة عقلية، فالقواطع والبراهين العقلية تدل عَلَى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يتصف بهذه الصفات، وهو منزه عنها.
هذه جناية التأويل وخطره عَلَى عقيدتنا، فلو فتحنا هذا الباب فمن يسده؟ وإذا أوّلنا وأوّلت جميع الطوائف فماذا بقي من القُرْآن والدين؟

فهذا التأويل قبل وراج لما سمي تأويلاً، وإلا فهو تحريف، فالله تَعَالَى يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) [طه:5] ويقول المؤولة: الرحمن عَلَى العرش استولى زيادة تأويل، لكنه يحول ويغير المعنى، وإن كانوا لم يغيروا الآية، فهم لم يزيدوا في الآية إلا "لام" لكن إذا تركوها بهذا المعنى لم يبق من حقيقة الآية إلا ما هو مكتوب في المصحف فقط، أما ما تفهم به فهو المعنى الذي وضعوه، وهو بزيادة اللام.